سورة النور - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النور)


        


قوله تعالى: {ويقولون آمَنَّا بالله} قال المفسرون: نزلت في رجل من المنافقين يقال له: بشر كان بينه وبين يهوديّ حكومة، فدعا اليهوديُّ المنافق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحكم بينهما، فقال المنافق لليهودي: إِن محمداً يَحِيف علينا، ولكن بيني وبينك كعب بن الأشرف، فنزلت هذه الآية.
قوله تعالى: {ثم يتولَّى فريق منهم} يعني: المنافقين {مِنْ بَعْدِ ذلك} أي: من بعد قولهم: آمَنَّا {وما أولئك} يعني: المُعْرِضين عن حُكم الله ورسوله {بالمؤمنين. وإِذا دُعُوا إِلى الله} أي: إِلى كتابه {ورسولهِ ليحكُم بينهم} الرسول {إِذا فريق منهم مُعْرِضُون} ومعنى الكلام: أنهم كانوا يُعْرِضُون عن حكم الرسول عليهم، لعِلمهم أنَّه يحكُم بالحق؛ وإِن كان الحق لهم على غيرهم، أسرعوا إِلى حكمه مذعنين، لثقتهم أنه يحكم لهم بالحق. قال الزجاج: والإِذعان في اللغة: الإِسراع مع الطاعة، تقول: قد أذعن لي، أي: قد طاوعني لِما كنتُ ألتمسه منه.
قوله تعالى: {أفي قلوبهم مرض} أي: كفر {أَمِ ارتابوا} أي: شكُّوا في القرآن؟ وهذا استفهام ذمّ وتوبيخ، والمعنى: إِنهم كذلك، وإِنما ذكره بلفظ الاستفهام ليكون أبلغ في ذمِّهم، كما قال جرير في المدح:
أَلَسْتُمْ خَيْرَ مَنْ رَكِبَ المَطايَا *** وأندى العالَمِينَ بُطُونَ راحِ
أي: أنتم كذلك. فأما الحَيْف، فهو: المَيْل في الحكم؛ يقال: حاف في قضيَّته، أي: جار، {بل أولئك هم الظالمون} أي: لا يَظْلِمُ اللّهُ ورسولُه أحداً، بل هم الظالمون لأنفسهم بالكفر والإِعراض عن حُكم الرسول.
ثم نعت المؤمنين، فقال: {إِنما كان قولَ المؤمنين} قال الفراء: ليس هذا بخبرٍ ماضٍ، وإِنما المعنى: إِنما كان ينبغي أن يكون قول المؤمنين إِذا دعوا أن يقولوا سمعنا. وقرأ الحسن، وأبو الجوزاء: {إِنما كان قولُ المؤمنين} بضم اللام. وقرأ أبو جعفر، وعاصم الجحدري، وابن أبي ليلى: {ليُحكم بينهم} برفع الياء وفتح الكاف. وقال المفسرون: والمعنى: سمعنا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وأطعنا أمره، وإِن كان ذلك فيما يكرهونه.
قوله تعالى: {وَيخْشَ الله} أي: فيما مضى من ذنوبه {ويَتَّقْهِ} فيما بعدُ أن يعصيه. وقرأ ابن كثير، وحمزة، والكسائي، وورش عن نافع: {ويَتَّقْهي} موصولة بياء. وروى قالون عن نافع: {ويَتَّقْهِ فأولئك} بكسر الهاء لا يبلغ بها الياء. وقرأ أبو عمرو، وابن عامر، وأبو بكر عن عاصم: {ويَتَّقِهْ} جزماً.


قوله تعالى: {وأَقسَموا بالله} قال المفسرون: لمّا نزل في هؤلاء المنافقين ما نزل من بيان كراهتهم لحكم الله، قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: والله لو أمرتنا أن نخرج من ديارنا وأموالنا ونسائنا لخرجنا، فكيف لا نرضى حكمك؟! فنزلت هذه الآية. وقد بيَّنَّا معنى {جَهْدَ أيمانهم} [المائدة: 53] {لئن أمرتَهم لَيَخْرُجُنَّ} من أموالهم وديارهم، وقيل: ليخرجُنّ إِلى الجهاد، {قل لا تُقْسِموا} هذا تمام الكلام؛ ثم قال: {طاعةٌ معروفةٌ} قال الزجاج: المعنى: أَمْثَلُ من قَسَمِكم الذي لا تصدُقون فيه طاعةٌ معروفة. قال ابن قتيبة: وبعض النحويين يقول: الضمير فيها: لتكن منكم طاعة معروفة، أي: صحيحة لا نِفاق فيها.
قوله تعالى: {فان تَوَلَّوا} هذا خطاب لهم، والمعنى: فان تتولَّوا، فحذف إِحدى التاءين، ومعنى التولِّي: الإِعراض عن طاعة الله ورسوله، {فإنما عليه} يعني: الرسول، {ما حُمِّل} من التبليغ {وعليكم ما حُمِّلْتُم} من الطاعة؛ وذكر بعض المفسرين أن هذا منسوح بآية السيف، وليس بصحيح.
قوله تعالى: {وإِن تُطيعوه} يعني: رسول الله صلى الله عليه وسلم {تهتدوا}، وكان بعض السلف يقول: مَنْ أمَّر السُّنَّة على نفسه قولاً وفعلاً، نطق بالحكمة، ومن أمَّر الهوى على نفسه قولاً وفعلاً، نطق بالبدعة، لقوله: {وإِن تُطيعوه تهتدوا}.


قوله تعالى: {وَعَدَ اللّهُ الذين آمنوا منكم} روى أبو عبد الله الحاكم في صحيحه من حديث أُبيّ بن كعب، قال: لمّا قَدِم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه المدينة، وآواهم الأنصار، رمتْهم العرب عن قوس واحدة، كانوا لا يبيتون إِلا في السلاح، ولا يصبحون إِلا في لأْمتهم، فقالوا: أترون أنّا نعيش حتى نَبيت آمنين مطمئنين لا نخاف إِلا الله عز وجل؟! فنزلت هذه الآية. قال أبو العالية: لمّا أظهر الله عز وجل رسوله على جزيرة العرب، وضعوا السلاح وأمنوا، ثم قبض الله نبيّه، فكانوا آمنين كذلك في إِمارة أبي بكر، وعمر، وعثمان، حتى وقعوا فيما وقعوا فيه وكفروا بالنعمة، فأدخل الله عز وجل عليهم الخوف، فغيَّروا، فغيَّر الله تعالى ما بهم. وروى أبو صالح عن ابن عباس: أن هذا الوعد وعده الله أُمَّة محمد في التوراة والإِنجيل. وزعم مقاتل أن كفار مكة لمّا صدوا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين عن العُمرة عام الحديبية، قال المسلمون: لو أن الله تعالى فتح علينا مكّة، فنزلت هذه الآية.
قوله تعالى: {لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ} أي: ليجعلنَّهم يخلفُون مَنْ قَبْلهم، والمعنى: ليورثنَّهم أرض الكفار من العرب والعجم، فيجعلهم ملوكها وساستها وسكَّانها. وعلى قول مقاتل: المراد بالأرض مكة.
قوله تعالى: {كما استَخْلَف الذين من قبلهم} وقرأ أبو بكر عن عاصم: {كما استُخلِف} بضم التاء وكسر اللام؛ يعني: بني إِسرائيل، وذلك أنه لمّا هلكت الجبابرة بمصر، أورثهم الله أرضهم وديارهم وأموالهم.
قوله تعالى: {وَليُمَكِّنَنَّ لهم دِينهم} وهو الإِسلام، وتمكينه: إِظهاره على كل دين، {وَليُبَدِّلَنَّهم} وقرأ ابن كثير، وأبو بكر، وأبان، ويعقوب: {وَليُبْدِلَنَّهم} بسكون الباء وتخفيف الدال {من بعد خوفهم أَمْناً} لأنهم كانوا مظلومين مقهورين، {يعبُدونني} هذا استئناف كلام في الثناء عليهم، {ومَن كفر بعد ذلك} بهذه النِّعم، أي: من جحد حقَّها. قال المفسرون: وأوّلُ من كفر بهذه النعم قَتَلَهُ عثمان.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8